أتذكر وجهه كل مرة، انظر فيها في قلب فنجان قهوة، وأعود الي الوراء مع فنجان القهوة صباحا وقراءة الجرائد تقريبا يوميا في الفراندا معه ،علي مدار سنوات، لا اهتمام بالمسافة او التوقيت، اقطع المسافة صباحا، أمر علي بائع الجرائد، وأحيانا المكتبة المجاورة للمنزل لاخذ كمية لا يستهان بها من الكتب ، وعندما كنت بعيدة، كنت استبدل كل هذا بفنجان قهوة صباحا، والهاتف أسأله عن اخر الاخبار؟ ونظل لساعات وساعات، رغم عدم عشقي للهاتف ، فلا استطيع التحدث مع من لا أراه، الا ان معه الامر مختلف، كنت اجد كثير من الكلمات والموضوعات للحوار والنقاش، وصولا الي اخر نكتة سمعها، والتي أحيانا كانت مكررة الا اني دائما كنت ومازلت علي الاستعداد للضحك بقوة كأنها المرة الاولي التي اسمعها، فهو من اكثر الاشخاص الذين يمتلكون موهبة القاء النكتة.
أبدا لم أتذكر في اى طابق من البناية يسكن، لكن حين ابدأ في الصعود لا أخطيء بابه، وأبدأ في الضغط علي جرس الباب، سرعان ما اسمع خطواته، فيقفز قلبي بين ضلوعي في انتظار ابتسامته العريضة، وقبلته اليتيمة علي خدي ، أو حضنا عميقا، اذا لم تكن يداي مشغولتان ، كأننا لم نر بعضنا البعض منذ سنوات، ثم يبدأ في السؤال عن كل جريدة وكتاب، حاسدة ذاكرته القوية، ثم نتجه نحو الفراندا، اجد فنجان القهوة ساخن مع مناقيش الزعتر، وحين أذكره اني لا احب الزعتر، يبدأ في استعراض فوائده الصحية، محذرا اياي من عادة عدم تناول افطار، وحين أشاكسه انه بدأ يمارس من هم أكبر سنا، الذين ابدا لن استمع اليهم، يغضب كطفل صغير، ويسألني ساخرا كبار سن؟ هل انا عجوز لهذه الدرجة؟
أباغته بتغيير الموضوع تحب تسمع ايه؟
كنا نقضي وقتا طويلا في مراجعة مقال او فصل من كتاب، متذمرة من كل خط أحمر حول كلماتي،أو وضع الكثير من الفصلات بينها، حتي أدمنتها مثله، ثم نكمل اليوم بمتابعة الجزيرة، او أن أقرأ له كتاب ما بصوت عالي، متذرعا بضرورة أن تكون لغتي العربية قوية، وهذا لن يحدث الا حين اسمع الكلمات عاليا ، أو بمقابلة صديق، أو نخرج لمجرد التمشية، وحين اعلن العصيان يبدأ في لعن جيلي الكسول الذي وجد كل شئ جاهزا دون عناء، ازداد اصرارا علي مناطحته، متهمة اياه بالغيرة منا في عقله الباطن، وبعد أن نتبادل الاتهامات، يحذرني بضرورة ان الوقت تأخر ويجب ان اعود للبيت ، ضرورة أن أتي اليه ف الغد ولكن ابكر من اليوم، متهما اياي بحب النوم والكسل، أذكره انه بالنسبة لي لا يوجد ابكر من التاسعة، فأنا لست بائعة لبن مثله لاستيقظ في السادسة. ينهي الحوار بقبلة علي خدي الاخر غير مكترث بنظرات المارة الينا .
منذ فترة لم نلتقي فقد انشغلت ببعض الامور عنه، فلم يعاتبني، فنحن متشابهان في عدم العتاب، أو خلق الاعذار للاخرين أو لانفسنا، وكالمعتاد نظرت في فنجان قهوتي ، فأتذكرته بقوة، أغادر الكورس من منتصفه، اتصل به، أين أنت؟ يرد بسخرية محاولا أخفاء وهن صوته :في البيت أليس هذا تليفوني الارضي؟ أحسم الموقف :أنتظرني فأنا في الطريق اليك.
أتخذت نفس المسافة، قافزة نفس درجات السلم، مؤكدة لنفسي اني سأحاول هذه المرة تذكر في اي طابق يسكن، وحين أطل من خلف الباب المصنوع من السلك، ومن ورائه مكتبته المتخمة، أجده مشرقا نشيطا محاولا أن أكذب ما لدي من هواجس تجاه صحته.
وحين سألته عن الصحة، راوغني وحاول أن يغريني بأن لديه مناقيش زعتر او بسبوسة، اختصارا وافقت علي اكل الاتنين، صمم ان نخرج الي الفراندا فقد مضي وقت طويل لم نكن هناك، اتذرع ببرودة الجو، سرعان ما تناسينا السابق، وبدأنا كما كنا في الماضي، أقرأ وهو يسمع، يناقشني واناطحه، يحتد علي ثم أحاول استرضائه، أسأله عن اخر نكتة، ويحكي لي اخر نكته سمعتها منه، يذكرني بتأخر الوقت، أرد بأني لا اهتم ، أطلب فنجان قهوة، فهو الوحيد القادر علي أن يأسرني بقهوته، فمن يده الطعم مختلف، ومعه الزمن مختلف.
حان موعد الانصراف، لم يستطع ان يملي علي نصائح الامس، فقد سبقته بضرورة أن يحترس من البرد، واضعة الكوفيه حول رقبته، وطبعت قبلة علي خده مؤكدة أني اخشي علي البرد منه وليس العكس، يضحك ويتهمني بالنفاق، ويسألني مثل أيام عهدنا القديم لماذا لم أولد مبكرا بحوالي ثلاثين عاما؟! أكرر اجابتي التي حفظها، أن الحب لا يعترف بالسن!!
أباغته بتغيير الموضوع تحب تسمع ايه؟
كنا نقضي وقتا طويلا في مراجعة مقال او فصل من كتاب، متذمرة من كل خط أحمر حول كلماتي،أو وضع الكثير من الفصلات بينها، حتي أدمنتها مثله، ثم نكمل اليوم بمتابعة الجزيرة، او أن أقرأ له كتاب ما بصوت عالي، متذرعا بضرورة أن تكون لغتي العربية قوية، وهذا لن يحدث الا حين اسمع الكلمات عاليا ، أو بمقابلة صديق، أو نخرج لمجرد التمشية، وحين اعلن العصيان يبدأ في لعن جيلي الكسول الذي وجد كل شئ جاهزا دون عناء، ازداد اصرارا علي مناطحته، متهمة اياه بالغيرة منا في عقله الباطن، وبعد أن نتبادل الاتهامات، يحذرني بضرورة ان الوقت تأخر ويجب ان اعود للبيت ، ضرورة أن أتي اليه ف الغد ولكن ابكر من اليوم، متهما اياي بحب النوم والكسل، أذكره انه بالنسبة لي لا يوجد ابكر من التاسعة، فأنا لست بائعة لبن مثله لاستيقظ في السادسة. ينهي الحوار بقبلة علي خدي الاخر غير مكترث بنظرات المارة الينا .
منذ فترة لم نلتقي فقد انشغلت ببعض الامور عنه، فلم يعاتبني، فنحن متشابهان في عدم العتاب، أو خلق الاعذار للاخرين أو لانفسنا، وكالمعتاد نظرت في فنجان قهوتي ، فأتذكرته بقوة، أغادر الكورس من منتصفه، اتصل به، أين أنت؟ يرد بسخرية محاولا أخفاء وهن صوته :في البيت أليس هذا تليفوني الارضي؟ أحسم الموقف :أنتظرني فأنا في الطريق اليك.
أتخذت نفس المسافة، قافزة نفس درجات السلم، مؤكدة لنفسي اني سأحاول هذه المرة تذكر في اي طابق يسكن، وحين أطل من خلف الباب المصنوع من السلك، ومن ورائه مكتبته المتخمة، أجده مشرقا نشيطا محاولا أن أكذب ما لدي من هواجس تجاه صحته.
وحين سألته عن الصحة، راوغني وحاول أن يغريني بأن لديه مناقيش زعتر او بسبوسة، اختصارا وافقت علي اكل الاتنين، صمم ان نخرج الي الفراندا فقد مضي وقت طويل لم نكن هناك، اتذرع ببرودة الجو، سرعان ما تناسينا السابق، وبدأنا كما كنا في الماضي، أقرأ وهو يسمع، يناقشني واناطحه، يحتد علي ثم أحاول استرضائه، أسأله عن اخر نكتة، ويحكي لي اخر نكته سمعتها منه، يذكرني بتأخر الوقت، أرد بأني لا اهتم ، أطلب فنجان قهوة، فهو الوحيد القادر علي أن يأسرني بقهوته، فمن يده الطعم مختلف، ومعه الزمن مختلف.
حان موعد الانصراف، لم يستطع ان يملي علي نصائح الامس، فقد سبقته بضرورة أن يحترس من البرد، واضعة الكوفيه حول رقبته، وطبعت قبلة علي خده مؤكدة أني اخشي علي البرد منه وليس العكس، يضحك ويتهمني بالنفاق، ويسألني مثل أيام عهدنا القديم لماذا لم أولد مبكرا بحوالي ثلاثين عاما؟! أكرر اجابتي التي حفظها، أن الحب لا يعترف بالسن!!