Saturday, November 24, 2007

فنجان قهوة



أتذكر وجهه كل مرة، انظر فيها في قلب فنجان قهوة، وأعود الي الوراء مع فنجان القهوة صباحا وقراءة الجرائد تقريبا يوميا في الفراندا معه ،علي مدار سنوات، لا اهتمام بالمسافة او التوقيت، اقطع المسافة صباحا، أمر علي بائع الجرائد، وأحيانا المكتبة المجاورة للمنزل لاخذ كمية لا يستهان بها من الكتب ، وعندما كنت بعيدة، كنت استبدل كل هذا بفنجان قهوة صباحا، والهاتف أسأله عن اخر الاخبار؟ ونظل لساعات وساعات، رغم عدم عشقي للهاتف ، فلا استطيع التحدث مع من لا أراه، الا ان معه الامر مختلف، كنت اجد كثير من الكلمات والموضوعات للحوار والنقاش، وصولا الي اخر نكتة سمعها، والتي أحيانا كانت مكررة الا اني دائما كنت ومازلت علي الاستعداد للضحك بقوة كأنها المرة الاولي التي اسمعها، فهو من اكثر الاشخاص الذين يمتلكون موهبة القاء النكتة.

أبدا لم أتذكر في اى طابق من البناية يسكن، لكن حين ابدأ في الصعود لا أخطيء بابه، وأبدأ في الضغط علي جرس الباب، سرعان ما اسمع خطواته، فيقفز قلبي بين ضلوعي في انتظار ابتسامته العريضة، وقبلته اليتيمة علي خدي ، أو حضنا عميقا، اذا لم تكن يداي مشغولتان ، كأننا لم نر بعضنا البعض منذ سنوات، ثم يبدأ في السؤال عن كل جريدة وكتاب، حاسدة ذاكرته القوية، ثم نتجه نحو الفراندا، اجد فنجان القهوة ساخن مع مناقيش الزعتر، وحين أذكره اني لا احب الزعتر، يبدأ في استعراض فوائده الصحية، محذرا اياي من عادة عدم تناول افطار، وحين أشاكسه انه بدأ يمارس من هم أكبر سنا، الذين ابدا لن استمع اليهم، يغضب كطفل صغير، ويسألني ساخرا كبار سن؟ هل انا عجوز لهذه الدرجة؟
أباغته بتغيير الموضوع تحب تسمع ايه؟

كنا نقضي وقتا طويلا في مراجعة مقال او فصل من كتاب، متذمرة من كل خط أحمر حول كلماتي،أو وضع الكثير من الفصلات بينها، حتي أدمنتها مثله، ثم نكمل اليوم بمتابعة الجزيرة، او أن أقرأ له كتاب ما بصوت عالي، متذرعا بضرورة أن تكون لغتي العربية قوية، وهذا لن يحدث الا حين اسمع الكلمات عاليا ، أو بمقابلة صديق، أو نخرج لمجرد التمشية، وحين اعلن العصيان يبدأ في لعن جيلي الكسول الذي وجد كل شئ جاهزا دون عناء، ازداد اصرارا علي مناطحته، متهمة اياه بالغيرة منا في عقله الباطن، وبعد أن نتبادل الاتهامات، يحذرني بضرورة ان الوقت تأخر ويجب ان اعود للبيت ، ضرورة أن أتي اليه ف الغد ولكن ابكر من اليوم، متهما اياي بحب النوم والكسل، أذكره انه بالنسبة لي لا يوجد ابكر من التاسعة، فأنا لست بائعة لبن مثله لاستيقظ في السادسة. ينهي الحوار بقبلة علي خدي الاخر غير مكترث بنظرات المارة الينا .

منذ فترة لم نلتقي فقد انشغلت ببعض الامور عنه، فلم يعاتبني، فنحن متشابهان في عدم العتاب، أو خلق الاعذار للاخرين أو لانفسنا، وكالمعتاد نظرت في فنجان قهوتي ، فأتذكرته بقوة، أغادر الكورس من منتصفه، اتصل به، أين أنت؟ يرد بسخرية محاولا أخفاء وهن صوته :في البيت أليس هذا تليفوني الارضي؟ أحسم الموقف :أنتظرني فأنا في الطريق اليك.

أتخذت نفس المسافة، قافزة نفس درجات السلم، مؤكدة لنفسي اني سأحاول هذه المرة تذكر في اي طابق يسكن، وحين أطل من خلف الباب المصنوع من السلك، ومن ورائه مكتبته المتخمة، أجده مشرقا نشيطا محاولا أن أكذب ما لدي من هواجس تجاه صحته.
وحين سألته عن الصحة، راوغني وحاول أن يغريني بأن لديه مناقيش زعتر او بسبوسة، اختصارا وافقت علي اكل الاتنين، صمم ان نخرج الي الفراندا فقد مضي وقت طويل لم نكن هناك، اتذرع ببرودة الجو، سرعان ما تناسينا السابق، وبدأنا كما كنا في الماضي، أقرأ وهو يسمع، يناقشني واناطحه، يحتد علي ثم أحاول استرضائه، أسأله عن اخر نكتة، ويحكي لي اخر نكته سمعتها منه، يذكرني بتأخر الوقت، أرد بأني لا اهتم ، أطلب فنجان قهوة، فهو الوحيد القادر علي أن يأسرني بقهوته، فمن يده الطعم مختلف، ومعه الزمن مختلف.

حان موعد الانصراف، لم يستطع ان يملي علي نصائح الامس، فقد سبقته بضرورة أن يحترس من البرد، واضعة الكوفيه حول رقبته، وطبعت قبلة علي خده مؤكدة أني اخشي علي البرد منه وليس العكس، يضحك ويتهمني بالنفاق، ويسألني مثل أيام عهدنا القديم لماذا لم أولد مبكرا بحوالي ثلاثين عاما؟! أكرر اجابتي التي حفظها، أن الحب لا يعترف بالسن
!!

Sunday, November 18, 2007

اعترافات ف عز الضهر



علي نسق اعترافات شهروزة حبيبتشي، حاولت اعترف بحبة حركات ومقالب وبلاوي ارتكبتها فافتكرت جزء، هقول منه حاجات، وهحتفظ بحاجات مش هقولها ، ولاقيت كمان ان بعض بلاويا اختفي تماما بالظبط زي المكسرات لما تغوص في الشيكولاتة ومتبانش!!

أنا اللي دبرت مقلب الازازة اللي ريحتها وحشة ف شنطة يد أبلة سلوي، لانها حلفت تسقطني في امتحان الشهر،في تانية ابتدائي، لاني فضحت بنت اختها اللي كانت عاوزة تغش مني ف الامتحان، ولزق المقلب في الواد الجتة "عماد"، فتوة الفصل ، انا حطيت الازازة ف شنطتها وفي الفسحة روحت ل "عماد" وقلت له ان ابلة سلوي اديتني شيكولاتة من شنطتها، زي العبيط راح عند شنطة الابلة، وفتحها ، لاقي الازازة فتحها، وانا زقيت دراعه وخلعت، كانت الازازة وقعت جوا الشنطة وعملت الريحة المقرفة دي، وخد حتة دين علقة، يستاهل ما هو كمان قبلها بيومين وقعني في الفسحة علي الارض، وركبي الاتنين اتعوروا، قال ايه مش عاوز بنات تلعب معاهم كرة.

أنا اللي ضحكت علي المسكين اخويا عشان يكسر الاطباق الازاز ، أمي كانت بتحبهم جدا لانهم كانوا هدية من ابويا لما كان مسافر ليبيا، انا شوفت امي بتحطهم علي النار ومش بيحصل لهم حاجة، قلت طالما النار مش عملت حاجة يبقي رزعهم ع الارض مش هيأثر، وتفاديا للضرب لو اتكسروا قلت استخدم المسكين اللي ما صدق ما لقي حاجة يلعب بيها، وكل ما يكسر طبق، اقنعه انه يمكن الباقيين ميتكسروش، وهاتك يا دشدشة.

أنا اللي حرضت المسكين الغلبان برده أخويا انه يحط الميه ف قلب التليفزيون، كنت عاوزة اعرف ايه اللي هيحصل لما احط الميه، كنت فاكرة ان الناس اللي جواه هيطلعوا برا، طبعا انفجر، واخويا اتكهرب وكمان أخد العلقة .

أنا اللي قصيت فستان فرح مامتي حبيبتي، كنت عاوزة اشوف عندي مواهب ف الخياطة زي تيتا ولا لاء؟ وكمان كنت عاوزة اقصره عشان يبقي علي أدي، لبست العملة ف بنت خالتي، اللي هي في نفس سن امي، ساعات كانت بتيجي لتيتا ،وتقيس فساتين أمي من وراها، وعليه اخترت يوم تكون هي جاية، وكشفت انا العملة ،خصوصا انها كانت معجبة بالفستان، ونفسها تاخدوا، طبعا امي كانت بتقول بعين اللي خلفوها . دا اول اعتراف بالعملة من عشرين سنة .

- أنا اللي كنت بقلد مسرحية "ريا وسكينة" و بحط كل مرة الملح علي السكر، في فنجان القهوة، بتاع ابن خالة امي ،أونكل عبد الراضي ،و بعدها معدته تقلب ، ويفضل رايح جاي من والي التواليت، كل مرة يجي فيها م الصعيد، لانه دايما كان يدي اخويا عيدية اكتر مني قال ايه عشان هو الولد، وكمان بيحرض امي ان بقيت طولها، وميصحش العب ف الشارع، مع ان كان عندي سبع سنين، وكل مرة بعد ما يمشي اتحبس واخد علقة لو حبيت العب ف الشارع.

- أنا اللي بعت هدية لاستاذ الفيزياء ف أولي ثانوي، عبارة عن ببرونة أطفال، وجواها ورقة بتقول "علي أد سنك"، طبعا الورقة مكنتش بخطي انا، كانت بخط اغلس بنت ف الفصل، وكانت حدفتني بالورقة ف الحصة، كنت مزقططة جدا وغلست عليها ، لما جه الاستاذ تاني يوم وهزئها قدام الفصل كله علي عملتها الهباب.

أنا اللي كنت السبب في حرق شعر بنت خالتي في فرح أختي، من تسع سنين، كنت انا وعبير صحبة اختي ماسكين الشمع، اتكعبلت مش عارفة ف ايه؟ (وش بيغمز) ، شمعتي جات علي ايد عبير اللي شمعتها مالت علي راس بنت خالتي ، فاتحرق شعرها، بعدها الاتنين اتخانقوا وقاطعوا بعض، بصراحة بنت خالتي تستاهل، كانت بتتنك وبتتمنظر بدون داعي.

- أنا اللي ناديت علي أبلة وفاء مدرسة التاريخ في تالتة ثانوي، عشان تشوف سمية صحبتي ورا باب الفصل كانت بتعمل حواجب بنت صحبتها بالخيط، اتحولوا لمكتب الست الناظرة، اللهم ما احفظنا،
تستاهلي يا سمية ، حاولت كتير اقولها بلاش ف الفصل ممكن التواليت.
أنا اللي دمرت عشرين شريط كاسيت بصوت أم كلثوم ، لبابا أول ما رجع م السفر، لان وقتها مكنتش بحبها خالص، وهو واجع دماغي باغانيها الطويلة علي مدار 24 ساعة، فسجلت عليهم حلقات مسلسل " الشهد والدموع " و "ماكجيفر" ، وجزء منهم كنت بقلب البكرتين عكس بعض، وأول ما هو يحط الشريط في الكاسيت يتشد ويتقطع ، لزقت في أختي لانها الوحيدة اللي عبرت له عن عدم حبها للست ام كلثوم، وأمنيتها انه يرحمها م الشرايط دي.

اعترف اني انا اللي فيرست اللاب توب بتاعه مش صديقته الانتيخ ، كل مرة كنت اروح أسافر أقضي اجازة هناك، كانت بتحب تيجي البيت من باب الغلاسة، وف المرة دي اتصلت عاوزة تيجي عشان تستعمل الانترنت، وكمان كانت عاوزة تستعمل اللاب توب بتاعه، مش الكمبيوتر العادي لانه بطيء، أنا كمان اتصلت بصديقي الانتيخ، انه يبعت لي لنك لاي فيروس، وفعلا اول ما هي جات تستعمل الجهاز كان الفيروس انتشر، وشل الجهاز ، ودي كانت أخر مرة أشوف خلقتها ف البيت، خصوصا ان الجهاز خد كام يوم لحد ما اتصلح، تستاهل لانها عارفة أني مش كنت بحب استعمل اللاب توب احتراما لخصوصية حاجاته كمان كنا رايحين السنيما .

اعترف كمان أني أنا اللي دبرت وخططت لكسر سي دي بتاع لعبة "الحضارة"، مش بحب الجيمز، وكنت بتغاظ لما كان قاعد قدامي بيكلمني وماسك اللاب توب وهاتك يا لعب، وفشلت محاولات اقناعي باني اتعلم اللعبة، ونلعبها سوا، ولاني درست خطواته كويس في البيت، حطيت السي دي جنب رجل ترابيزة المطبخ، وهو زي كل مرة، جه حرك الترابيزة جامد، ورفعها، وحط اللاب توب عشان يلعب ، وهوب السي دي لوحده كان تحت رجل الترابيزة، وديشششششش، لزقتها فيه هو لانه دايما كان سايب حاجاته مبعترة ف الشقة من غير نظام..

أخر حاجة لسه طازة امبارح بس، حطيت رجلي قدامه وهو بيعدي، وقع اتكوم وهو نازل من عربية المترو، غلس عليا، وغتت، وكمان البادي سبراي بتاعه كان يقرف، كبرت دماغي اني ازعق له، قلت الطيب أحسن، اللهم لا شماته
.

Wednesday, November 14, 2007

البحر اسكندراني ..وليل حب ونسايم

بسمعها دلوقتي وكمان ليا كام اسبوع مش بسمع غير غنوة واحدة، أخدتها من صديق، البحر اسكندراني لمحمد حمام، تقريبا شهر، بسمعها الصبح والعصر والمغرب واول ما اصحي وبعد ما انام كمان ، بالظبط زي حواديت أبلة فضيلة وكنت مصرة أروح اسكندرية قريب، فشلت اقنع اصحاب تانيين انهم يجوا معايا ، بس ولا همني هم الخسرانين ...
أحلي الرحلات اللي عملتها كانت بتتنفذ وقت اقتراح الفسحة، او بعدها بكام ساعة، يعني مرة ف صحبة تلات صديقات قررنا ناخد اجازة ونسافر علي روما، وفي ثواني، تليفون للشغل، ومحطة القطر ،وخلال كام ساعة بدأنا الرحلة، والمرة التانية، كان عندي اجازة اسبوعين، تليفون وحوار مع صديق وبعدها بكام ساعة رحلة بالعربية عبر تلات دول، ومرة أخدت شنطة صغيرة جدا كنت رايحة مدينة علي بعد ساعتين بس بالقطر، لاقيت نفسي ف المطار وكمان علي طيارة لبرلين ،اصل بحب الحاجات اللي من غير ترتيب، أحيانا ، ولا وجع القلب مع اصحاب استحالة يصدقوا ف حاجة اتفقوا عليها معاك، ولا هيروحوا رحلة خططوا لها، وغنوا عليك بها كتتتيييرررر :(
خلال سنة ونص معرفتش اخرج برا القاهرة الا مرتين الاولي ترحيب لعودتي لارض الوطن، دعوة من صديق للعين السخنة لمدة اسبوع،والمرة التانية للسويس عشان أعزي صديقة، وكل مرة نبدأ نخطط كمجموعة ويتحدد معاد ينضرب المعاد ليه؟ معرفش كل واحد يسأل نفسه :(
أخيرا خرجت النهاردة الي الاسكندرية، يا حلاوووة، تبدأ الحكاية والعهدة علي الراوية، اللي هو انا، اني كنت (ومازلت بس شغال) حاسة بالخنقة من مواقف سخيقة علي مدار الاسبوع خصوصا امبارح ، ف البيت والشغل، والكورس، والمترو، وحاجات كتيررررروانا بفتح باب بيتنا، قررت أسافر مع نفسي لاي حتة، ولو اني دايما بحب الصحبة، بس خلاص بما اني يئست قررت أسافر "وحدي..وحدي لكن ونسان وماشي كدا"، واول ما أشغل الماسنجر الاقي صديقي الانتيخ، واحنا الاتنين ف نفس واحد، أزيك؟ نرد ف نفس واحد: زفت، وخنقة، علي طول تيجي نسافر؟ أه بس أمتي؟ يقولي الجمعة؟ وانا لا بكرة طب الخميس؟ وبدأنا التفاوض لحد وقت متأخر، أفرض انا بديكتاتورية بكرة يا بلاش هروح لوحدي، يوافق، نبص ف الساعة، نلاقيها بقت تلاتة، ماشي نتقابل كمان تلات ساعات في رمسيس، ماشي، وهكذا بدأ اليوم...
ملحقتش انام بس مش مهم، علي خمسة بدأت أتسحب من بيتنا مش ناوية اصدمهم اني مزوغة من فرح ف العيلة، زي كل مرة ، حرام، وأدور علي مفتاح باب البيت اللي تحت خالص مش لاقياه روبع ساعة ، اخدته من سلسلة مفاتيح أبا الحاج، وانزل الاقي الباب مفتوح أصلا، مفيش حد ماشي ف الشارع، بس ولا يهمني ما عفريت الا شبح .
لما بكون مسافرة مبحبش أشيل حاجة، هو شنطة صغيرة جدااا، عشان منظري العام، ولتر بيبسي للتسالي ،النهاردة بس زودت جاكت عشان الجو مكانش مضمون، وكاب كان علي وشك يقع ف الميه ، بس، اتقابلنا في رمسيس فطرنا سوا بلاش اقول فطرنا ايه؟ ، ركبنا، وخلال ساعتين كنا هناك، وكمان عشر دقايق بقينا قدام البحر خبط لزق، زمان لما كنت بروح اسكندرية كام شهر ف الصيف، وساعات الاقامة تمتد كمان خلال الشتا، كان عندي احساس ان الاسكندرانية ناس فاضية وعواطلية، وطول النهار قاعدين يحبوا ع الكورنيش، بس طبعا دا اتغير، النهاردة كان احساسي انهم بيحبوا وبس، اتنين اتنين ماليين الكورنيش، واغلبهم مزوغ م المدرسة، اللهم لا حسد، حقد بس، هههه انا وصديقي الانتيخ كان شكلنا غريب حبتين، وكنا فرجة، بما اننا مش باين اننا حبيبا ولا حاجة، كان باين بس اننا واحدة وابنها، ابن اختها، جوز أخت بنت خالة عمتها اي حاجة ، هو مشغول باللاب توب والواي فاي اللي طول الكورنيش، وانه يغيظ باقي الناس اننا ف اسكندرية، وانا بلعب علي مصدات الامواج، كتل اسمنت قدام الشواطئ، لحمايتها م التأكل، كنت فكراهم من زمان اويي انهم حاجة م الاتنين قطع (أوشاط) للعب الطاولة وكان عندي ثقة ان الحجم دا يناسب الرومان وانهم كانوا بيلعبوا طاولة هنا ع الشط بالكتل دي، الاعتقاد التاني تماشيا مع التطور الطبيعي للحداثة والحبشتكنات كلها، كنت فكراها كتل لبناء كباري جديدة بما أننا بلد افتتاح كباري ف كل مناسبة.
وعلي حين غرة يرن الموبيل، من "زميل عمل " انتي فين؟ انا ع الكورنيش (بقصد كورنيش الشاطبي، هو فاكر النيل)،انتي متأخرة كدا ليه؟ وهوب يقطع الخط، وانا اتنح ، نعم؟ فين؟ انا قلت لمديري أني أجازة، يتصل تاني، افهمه، وكمان رنة من السيد الباشا الامور المدير اللي مش صديق ولا حاجة، طيب هاتي لنا معاكي "هريسة" حاضر من عونيا ….
تفرغ صديقي الانتيخ لاعطائي دروس فيزياء المكان، زي ليه الناس مش بتنشر غسيلها علي منشر ف مواجهة البحر؟، انا اتفذلكت وقلت البلكونات شكلها هيعر الكورنيش، فا مفيش غسيل من قدام الكورنيش زي اوروبا والدول المتكدمة، هو اعطي فتوي متعلقة بفيزياء المكان بتقول ان وجود البحر مش هيخلي الغسيل ينشف بسرعة، عشان البخار ف حالة معرفش ايه ما عالينا، انا كبرت ومدققتش، مش بحب الارقام ولا المعادلات، نكمل بقي فضلنا نمشي ونرغي ونمشي، ونتكلم سياسة أدب، تاريخ، حواديت، في سيرة كل اللي نعرفهم، نريح شوية ع المصدات، يعني مددنا ع الصخور، عند بير مسعود كدا، أو علي المصدات نفسها، والميه هوب علينا ، أو علي الشاطئ نفسه، ونمشي حبة.
محستش بالوقت ولا اي تعب، انا كدة لما أسافر، بسيب كل كسل القاهرة واستسهال ركوب التاكسي عن المشي، وانطلاق، مشينا من الشاطبي، لحد ستانلي، وبعدين لخالد ابن الوليد، و صديقي مستمر ف دروس الفيزياء، وانا مستمرة في قمعه، وممارسة ديكتاتوريتي، لان لما بسافر بحب امسك انا الخريطة، وبالتالي منعته من فكرة انه يهوب جنب كوستا، أو بينوس وغيرها من الاماكن دي، اللي اتخنقت منها ف كايرو ،دا غير ان بحب طالما هسافر يبقي فسحة جامدة طحن علي حق مش طق حنك ، يعني ولا ماكدونالد، ولا كوستا، ولا كل دا، طالما انت في روما، يبقي عيش وأتسنحك علي طريقة " أهل قاع روما، وليس قمتها" كمان، علي رأي صديق روماني (نسبة الي روما وليس رومانيا) المهم أصريت علي قهوة أبو الحسن في خالد ابن الوليد مع شاي بالنعناع، وقهوة بنها مضروب، وكمان فيلم "جعلتني مجرما" كنت اول مرة اشوفه بما اني مش متابعة السوق، وصديقي ما صدق طلعت ف دماغه انه يستستهل وكسل يقوم نتمشي عشان نتغدي سمك ، وقال قرر ناكل فول من علي عربية "فول باب الشعرية" اللي بتغطيها شمسية عليها اعلان "اتصالات" قدام القهوة ، وأتلكك اني عندي التهاب رئوي ومينفعش أكل سمك، سمعت الكلام وقلت له وفرت (كان علي أنا عزومة السمك) ، بعدها قررنا نستكمل الجولة، عاوز يتفرج و يعمل شوبنج وبنطلونات و حركات، وانا أصريت ان ممنوع شوبنج، أنا بكره الشوبنج جدااااا مع فيتو اني عاوزة اشتري توك كلبسات لشعري، احسن الكيرلي كله هيطير مع الكاب وتبقي فضيحة، وزعل لما وقفت خمس عشر دقايق اتفرج ع الاكسسوار (الحاجة الوحية اللي ممكن اتفرج علي الفتارين عشانها )، ولما بدأت أختار هدية لحد مهم جدا، اعلن العصيان المدني، بس برده اشتريتها.

طول الوقت كنت بزن اني عاوزة أكل هريسة من عند أحمد حسنين، مع اني مش بحب الحلو قوي بس بحب اكله بكميات صغيرة وعلي مراحل، وزمان لما كنت ف اسكندرية لشهور عند بنت خالتي، كل يوم الصبح لي حتة كبيرةةةةةةة جدا هريسة ف الغالب كنت باكلها ع البحر، ومش بدي حد حتة. وأخر مرة كنت فيها ف اسكندرية من تلات سنين كنت ماشية وانا معايا خمسة كيلو هريسة، مش ليا والله للحبايب بس.

قعدنا وكلنا الهريسة، وفضل صديقي يتابع الواي فاي وهو مبسوط كأنه جاب الديب من ديله، وكمان معاه اتنين موبيل ..صدااااااع ... وكمان أدلي بأحاديث صحفية وجرنالجية، وغيره وكمان مكتب الامم المتحدة بيدعيه لمؤتمر؟ أجري ياض العب بعيد ، انا بقي فضلت قاعدة مأنتخة أقرا حبة ، وأتكلم حبة (مع نفسي بس مبسوطة جدا)، وكتيررر جدا كنت بغني بصوت عالي "البحر اسكندراني والريح اللي معانداني ترالالالام "، مقدرتش اطلب فريسكا لان كانت خلاص كدة رضا.

وفضلنا نتمشي بعدها، وبما اننا مخنوقين، ومكتئبين فضلنا نفضفض ونتكلم كلا من منا بصراحة عن اللي مضايقنا، وكمان أخدنا قرارات حاسمة، وهي العمل علي الا نكتئب مهما كانت الظروف، لان هي كدة "فيها ابتسامة وفيها أه، وفيها أسوة وحنية" ترررلالالام ، وكمان التنفيض للاشخاص مصدر وجع القلب والراس، "وابقي قابلني" J

علي هامش الرحلة كان اكتر يوم ف حياتي استقبلت فيه مكالمات تليفونية، بقالي فترة محدش بيعبرني، واللي بيعبرني بنفض له، ليه؟ الله أعلم ، ناس جاية القاهرة ومتلاقينيش، وناس ماشية ما تلحقش تسلم، لان الجميع معتمد اني مبتحركش منها، حتي الاصدقاء علي الجانب الاخر من البحر المتوسط، أندهشوا، وحقدوا، زي بعضه عديتها..
بدأنا نتحرك عشان نرجع كان الجو بدأ يبرد، وشتا فعلا، لبسنا الجاكت الخفيف، والكاب، والايس كاب كمان، وفضل موال الواي فاي شاغل صديقي، أنا متنحة لمنظر الغروب علي كوبري استانلي وهو بيجرب مدي قوة الواي فاي وطلع منها بنتائج مهمة جدا ، وهي علي أول كوبري استانلي هتلاقي كونكشن من كوستا وبينوس، ف نص الكوبري هتلاقيه من ماكدونالد، كنت علي وشك احدفه هو واللاب توب وماكدونالد نفسه من ع الكوبري وأقول ضاع ف الاتوبيس. قولنا نشتري هريسة للجهامير اللي مستنيانا، وناخد أول مرسيدس للعودة، لسه بنستكشف الجو، وفجأة لقيته ماسك شنطتي وبيشد، يا عم سيب وهو لا هتيجوا معايا تركبوا العربية التانية، يا سيدي مش بندور علي عربية، هو كان منادي العربيات قصير جدا، (مش قصدي التريقة) افتكرته طلع حد من الاقزام المشهورين اللي كانوا بيمثلوا ساعات ف الافلام، واحاول اقنعه مش عاوزة اتنرفز ان احنا رايحين نجيب هريسة مش عاوزين عربية، خلاص تعالوا انا هجيب معاكم الهريسة، صديقي انتخ م الضحك، وسابني كدة الراجل ماسك شنطتي، ولاقيناه طلعنا قدام العربية، وبما انه مش مبطل ضحك، زعقت فيه هو سي الانتيخ ان يلا مفيش هريسة وهنروح خلاص.

أكبر مأسأة أصرار الجمهور قصدي الركاب والسواق انهم يشغلوا فيلم طول الطريق رايح ، جاي ل سي سعد الصغير، انكتب لي اشوف ابشع افلام الارض، "عليا الطرب بالتلاتة" و "الحي الشعبي" والاتنين من بطولة سيادته والمزتين نيكول سابا ودينا، وشلة غجر تانيين، فشلت انام ف الفيلم الاول ، لكن حلفت لانام ف التاني وفعلا بعد ما طنشت ارد ع الموبيل.
دخلنا القاهرة وبدأت الغلاسة، الطريق الدائري قال ايه مفحوت، ومحفور وكل الافتكاسات، ماسكين جتته وهاتك يا تقطيع، من عند كارفور البوابات لحد معرفش فين، وعلي كوبري 15مايو مدخل الزمالك، وقفنا عسكري مرور قال ايه الباشا الظابط عاوز الرخص، يوووو عاوزين نلحق الجهامير اللي مستنيانا، ثواني خلعنا م العربية واول تاكسي، البيه الظابط شافنا، قال هاتوا الاتنين دول، بس علي مين مع نفسه هو بقي.
وخلاص خلصت الحدوتة ... عارفة انها ملتوتة
بس كان نفسي أركب الترام الاصفر:(
اسمعوها بس:

البحر اسكند....ف عيونه البحر غايم
وليل حب ونسايم
دا انا بقول يا هادي....
وانا لسه...ع البر عايم
:)
بيتنا النهاردة الصبح

Friday, November 9, 2007

علي الجانب الاخر من البحر



رغم أني كنت علي الجانب الاخر من البحر، فقد حالفني الحظ كثيرا، ولم تقع عيني علي جثث لفظها البحر، بعد أن لفظها أهلها ، الا وهي مدعية الحياة، هاربة من تابوت الفقر في الاغلب، أو احتلال حكومة حزب وطني فاسدة.
اختلفت الطرق، وتشابهت القصص، وتوحد الهدف لدي كل عابر، وكان علي الاستماع، ولكم أصابني الهلع، والترقب، اوحتي الدهشة، أثناء متابعتي أحداث كل قصة، رغم تأكدي من النهاية، وانتصار البطل المزعوم الجالس امامي، بملابسه الرثة، ومتعلقاته البسيطة، وأحيانا بدونها، ذلك البطل الذي سرعان ما تحول الي مجرد رقم علي استمارة بدرج المكتب، أو ملف علي الديسك توب .

دائما كان خيط البداية واحد، تليفون من قسم الشرطة بوصول وافد جديد "متسلل عبر الحدود"، والسؤال عن امكانية استضافته بالمركز "مركز طوارئ لاستقبال لاجئين" مؤقتا، ثم تبدأ مرحلة توفيق أوضاع الوافد قانونيا، عبر محطات عدة، تستمر ربما لسنوات، رغم التصاق صفة "مؤقت" بأوراقه، وان كان مازال قاصرا فسرعان ما ستتبناه الدولة.
لم تختلف معظم القصص في نهاياتها، ربما في نقطة البداية، وتفاصيل التفاصيل، فلم تختلف قصة "سامان" النحات والرسام الايراني، عن مواطنه "مصطفي" بطل ايران في المصارعة الحرة، علي مدي سنوات، أو "أورهان" وابن عمه "احمد" من أكراد ديار بكر، عن "ستيف" الهارب من الفتنة الطائفية بأثيوبيا، عن "ماريا" عن "فريدة" ،عن "زينات"، "علي"، "سارة" واسماء كثيرة .

ربما "حسن" كان من اكثر الشخصيات التي لم تسقط من ذاكرتي قط، عدت يوما من احدي الاجازات ، وسألت زميلي عن "الوارد والصادر"، التعبيرين المستخدمين عما اذا كان هناك نزلاء جدد بالمركز، أو مغادرة احدهم، وهو امر نادر الحدوث، فأشار الي لطفل هزيل، يقف وسط ملعب الكرة ، وتحت زخات مطر، شهر فبراير، خارج نافذة المكتب المطلة علي الفناء الخارجي، يبدو في العاشرة، نحيف، بروز لعظام وجه،يرتدي ملابس اكبر من المفترض، غير متناسقة، اندهشت كيف لطفل في العاشرة وصل الي هنا، فا الاوراق امامي تصر انه بمفرده، بدون عائلة، قبض عليه أثناء محاولة للتسلل الي احد القطارات التي تمر عبر الحدود الايطالية- النمساوية، فقد كان يرغب في الذهاب الي المانيا، (معظم المتسللين يتطلعون لذلك املا في حياة افضل).
استقر حسن في المركز، وتوطدت علاقتي به، حين أخبرني بعد أيام انه لا يعرف كيف يمكنه الاتصال بعائلته، ليعرف والده انه كان جادا في قراره، ودس في يدي ورقة مهلهلة، تحمل أرقاما كثيرة ، وحين طلبت واعطيته الهاتف، اختفي هدوئه المعتاد، وظهر شقاوة طفل، يمرح ويمازح الاخوة والام والاب، بلغة غريبة عني، تخللتها كلمات عربية "الحمد لله- نعم- الله " ، بعدها استجاب لمحاولات سابقة في ضرورة أن يبدأ تعلم اللغة ليتواصل مع محيطه ،وقدمته ل ريناتا المدرسة ليتعلم اللغة، التي اندهشت لسرعة تعلمه، والتحق باحدي المدارس الليلية، وخلال اليوم لم يكن يخجل ان يسأل عن معاني كلمات عجز عن فهمها، وبمضي الوقت، والاحساس بالامان بدأ "حسن" يسرد أجزاء من حياته قبل ينجح في عبور البحر، "حسن" أفغاني، ولا يتحدث العربية، الاوردية، و بعض الانجليزية، وفوجئت ان سنه اربعة عشر عاما، وليس عشرة اعوام كما ظننت، حكي أنه ودع عائلته في افغانستان، المكونة من أب وأم وتسعة أبناء أخرين، ترتيبه الخامس بينهم، وعندما سأله أبوه الي اين؟ رد بكل ثقة الي المدرسة ولكن في بلد أخر، والده لم يعترض، فهو لديه الكثير من الابناء، بدأ رحلته سيرا علي الاقدام، الي باكستان، ثم ايران، ومن هناك تم اجباره علي العودة، وتم ترحيله، الا انه بمجرد العودة، عاود الكرة، وبدأ رحلته من جديد مصرا علي النجاح هذه المرة، سلك طريق الجبل، وصادق قطاع الطرق، باكستان، ثم ايران، ثم تركيا، ومن هناك استطاع التسلل لاحدي سيارات التهريب، التي عبرت به البحر علي ظهر سفينة، ووصل الي ايطاليا، واتخذ طريقه في اتجاه الشمال، حيث المانيا، الا ان ملامحه الشرقية ، وهزاله الواضح، ووجوده وحده داخل القطار، ادي للقبض عليه.
كان هدف حسن ان يلتحق بالمدرسة يوما، وحلمه ان تتاح لاخواته الاصغر الفرصة نفسها، في اول فصل دراسي جديد، التحق "حسن" بالمدرسة، وسرعان ما انتقل الي مكان أخر مخصص للقاصرين، وان رأيته بعدها كثيرا، فالمدينة صغيرة، وتجمعنا مدرسة واحدة، فحين بدأت كورسات لغة المانية رأيت اسمه في القائمة الطلاب، واعترض علي عندما سألته ان يركز اولا في اللغة الايطالية، وحين اخبرته اني رايته في الجريدة ،في ريبورتاج عن اللاجئين، أخبره ان كاتب التحقيق بعدها قابله بأحد منتجي الافلام ليصنع من قصة "حسن" فيلما سنيمائيا، الا ان "حسن" رفض مصرا علي أن قصته بدأت توا ولم تنتهي بعد، مشيرا بيده نحو الشمال!!






وقائع القصة فبراير 2006
"Ex-Gorio"
emergency center for refugee